الجمعة، 21 أكتوبر 2016

الأزمة الاقتصادية العالمية


المشكلة الاقتصادية في واقعنا تعتبر الأساس الفعلي لكل المشاكل والاضطرابات، كما أنها نتيجة لعدة علاقات ومفاهيم متشابكة ومتداخلة جميعاً مع بعضها البعض، كالعولمة والديمقراطية وتغيير المنظومة الثقافية والحضارية داخل المجتمع، ولا يمكن تحقيق الاستقرار داخل أي مجتمع دون القضاء على مخلفات تلك المشكلة والمتمثلة في:

البطالة.. الجوع والفقر.. الهجرة

والآثار الثقافية والأخلاقية المترتبة عليها.

وبنظرة أعمق فالمشكلة ليست مشكلة مصر وحدها فحسب، بل سرطان امتد وتشعب في العالم كله، وغالباً قد يؤدي إلى انهيار جماعي وتصدع في كامل أرجاء كوكب الأرض.

لابد أن نضع أنفسنا موضع الحساب والمسائلة وأن نقدم كشف حساب عسير للحضارة المعاصرة والمزعومة.

ولقد وجدت أنه من واجبي ومهما كلفني الأمر أن أتحدث عن موضوع غاية في الخطورة، بل ويعتبر الحدث الأهم في القرن العشرين، والذي فاقت أهميته حروب القرن العشرين، وما زال هو الأهم إلى وقتنا هذا ولكن يتعمد دائماً عدم الحديث في هذا الأمر، وهو صدمة نيكسون Nixson Shock .

لقد أصبح من الواجب على العالم أجمع أن ينتفض الآن ضد سياسات الولايات المتحدة الأمريكية، وقد تحدثت في الأمر باختصار قدر ما استطعت، وعلى استعداد تام لمناقشته وتقديم الحلول للخروج من هذا الخندق.

صدمة نيكسون – Nixson Shock

كانت الولايات المتحدة الأمريكية تقوم بطبع كميات هائلة من الدولار بدون تغطية كافية من الذهب لتغطية نفقات الحرب على فيتنام والتي خلفت 4 مليون قتيل، وتسبب ذلك إلي زيادة المعروض من الدولار وانخفاض قيمته في السوق مما أدى إلى ارتفاع جنوني في الأسعار حتى بلغ معدل التضخم المالي 5.84% عام 1971  وارتفاع معدلات البطالة إلى 6.1% في أغسطس 1971 وقد وعد نيكسون الشعب الأمريكي بالرفاهية بدون تعب أو حروب، ولمكافحة هذه القضايا تشاور نيكسون مع رئيس الاحتياطي الفيدرالي آرثر بيرنز ووزير الخزانة جون كوناللي وبعد ذلك مع وكيل الوزارة لشئون النقد الدولي ورئيس مجلس الاحتياطي الاتحادي في المستقبل بول فولكر، وبعد ظهر يوم الجمعة الموافق 13 أغسطس 1971 ألتقي هؤلاء المسئولين جنباً إلى جنب مع أثني عشر آخرين من المستشارين رفيعي المستوى في البيت الأبيض ثم بعدها وزير الخزانة جون كوناللي سراً مع نيكسون في كامب ديفيد، كان هناك نقاش كبير حول ما ينبغي القيام به، ولكن في النهاية قام نيكسون بالاعتماد على هذه المشاورات خاصة مع وزير الخزانة جون كوناللي، حيث قرر كسر نظام بريتون وودز من خلال تعليقه قابلية تحويل الدولار إلى ذهب أو غيرها من الأصول الاحتياطية مع بعض الاستثناءات مما منع الحكومات من تبادل الدولار بالذهب، كما أن الدولار سيتم تعويمه أي ينزل في السوق تحت المضاربة وسعر صرفه يحدده العرض والطلب وحينها قالوا: تم إغلاق نافذة مبادلة أمريكا دولاراتها بما يقابلها من ذهب وكان ذلك بقرار من الرئيس نيكسون، وسميت هذه الصدمة وقتها بصدمة نيكسون Nixon Shoke.

وعلينا أن نتذكر كلمة نيكسون وهو يذكر الشعب الأمريكي بإنجازه العظيم لهم بوقف تسليم غطاء الدولار من الذهب، وأن على العالم كله أن يقبل ما تصدره أمريكا من دولارات حتى ولو لم تكن مغطاة بالذهب المتفق عليه وكما قلها نيكسون في كلمته:

We must play the game as we expect and want them to do.

يجب أن نلعب اللعبة كما صنعناها ويحب أن يلعبوها كما وضعناها.

وبالتالي نتج عن هذا القرار عام 1971 انهيار مؤتمر بريتون وودز وانفلات طباعة النقود عن الارتباط بالذهب، لقد أصاب العالم كله الرعب من قرار نيكسون وهذا ما توقعه نيكسون نفسه عندما قال:

I know there great risks. There were dire predictions of massive resentment, Non cooperation at home, and of turmoil and retaliation abroad.

كنت أعرف أن هناك مخاطرة كبيرة، وكانت هناك توقعات مخيفة واستياء واسع، وعدم تعاون في الداخل، اضطراب وانتقام من الخارج.

وقد كتب وقتها جون كونللي John Connally في صحيفة نيويورك تايمز بتاريخ 16 أغسطس 1971 أن ذلك قد تسبب في رعباً عالمياً  International Panic

President Nixon officially announces the end of the gold deposits the dollar becomes a fiat currency, causing a brief international panic.

ورغم خطورة هذا الأمر فإنك عزيزي القارئ تجد تقليلاً من أهميته بل والأصدق تجاهل تام عند الكثير من أساتذة الاقتصاد والقائمين على هذا العلم وبالطبع فإن ذلك ليس وليد الصدفة.

يقول الكاتب الاقتصادي الشهير John Kenneth Galbraith: توصف دراسة النقود من بين فروع الاقتصاد بأنها معقدة وهذا الوصف للتضليل وإبعاد الناس عن اكتشاف الحقيقة.

إن قرار نيكسون دون سابق إنذار للدول والأفراد التي جمعت الدولارات يعتبر أكبر حادثة احتيال في القرن العشرين، ونقطة تحول تاريخ النقد والاقتصاد وبداية لانهيارات اقتصادية عالمية متتابعة، جعلت المستفيد منه فقط هم صناع القرار في الولايات المتحدة الأمريكية الذين جمعوا الذهب قبل أن يصدم نيكسون العالم بقراره، فالفرق بين قيمة الدولار قبل عام 1971 وبعده كبير جداً فقبل عام 1971 كان 35 دولاراً أمريكيا يعادل أوقية (أونصة) من الذهب، أما بعد هذا التاريخ 1971 فإن الدولار معوم يسبح في بحر تلاعب ملاك الذهب ولاعبي بورصات نيويورك، ولهذا صارت أمريكا تطبع من الورق الأخضر بالترليونات بلا حساب وبدون أي تغطية من الذهب، وتشتري بهذا الورق المواد الخام من كل دول العالم مما زاد المعروض من الدولارات في السوق وبهذا انخفضت قيمته وقيمة ما يتبعه، وأقرب مثال سعر أوقية (أونصة) الذهب الآن.

لقد بين العالم الاقتصادي موريس أليس   Maurice Allais  الحائز على نوبل في الاقتصاد في كتابه (أخطاء ومأزق في البناء الأوروبي) والصادر عن دار نشر جوغلار 1992، وتكرر وأكد على نفس الكلام في مقابلة مع جريدة ليبراسيون Liberation بتاريخ 2 أغسطس 1993، ومعتمداً على معطيات البنك الدولي، أن السيولة المالية التي ترتبط بمضاربات البورصة على العملة والمواد الخام، أو المنتجات الخدمية المشتقة كالتأمين على مخاطر المضاربات هي اليوم أكبر أربعين مرة من الاستثمارات والصفقات المرتبطة بالاقتصاد الواقعي المنتج للسلع والخدمات، وبلغة بسيطة يكتسب الفرد المال بشرط أن يكون لديه إمكانيات مالية أو ضمانات بنكية من المضاربة ما يعادل أربعين ضعفاً لما يكتسبه من العمل الفعلي.   

أما لو عددنا جرائم أمريكا السياسية، فإننا نكون أمام أكبر ملف لجرائم وانتهاكات عرفتها البشرية وهو دليل واضح على انهيار للحضارة الأمريكية المزعومة من أول جرائم الإبادة للهنود الحمر سكان أمريكا الأصليين إلى وقتنا هذا، وعلى سبيل المثال لا الحصر:

 4 مليون قتيل مخلفات الحرب على فيتنام.

78150 قتيل في هيروشيما – اليابان.

73884 قتيل في نجازاكي – اليابان.

1336 حالة اغتصاب في اليابان خلال الحرب العالمية الثانية.

1500000 قتيل في الفلبين.

800000 قتيل في ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية، بالإضافة إلى مجازر متعددة في كل من ألمانيا وإيطاليا.

250000 قتيل في كل من أفغانستان وباكستان.

850000 قتيل في مجازر العراق.

400 قتيل أغلبهم نساء وأطفال في قرية نوجن ري بكوريا الجنوبية.

بالإضافة إلى مجازر الصومال وسوريا وليبيا وغيره.

فهل يمكن للعالم أن يقبل بأمريكا قاضياً وشرطياً ؟

لقد فرضت أمريكا نفسها على العالم بطرق غير شرعية جعل منها دولة مركزية يدور حولها باقي دول العالم من خلال علاقات تبعية واستعمارية من نوع آخر، من خلال مجموعة من القوانين والاتفاقيات الدولية والتي عند درستها نجد معارضتها مع القانون الأمريكي نفسه، مما يترك المكان لكل فرص الإستبدادات الأمريكية، وتسمح للأمريكان وحدهم أن يجعلوا من باقي دول العالم دولاً تابعة وملحقة باقتصاد المركز، وأن يفرضوا شروطهم للتبادل والتعريفات الجمركية التي تفيدهم وحدهم.

إذن فالنظام العالمي التي تريد أن تفرضه الولايات المتحدة ما هو إلا نظام استعماري مركزي وشمولي ودعم وامتداد لعلاقات استعمارية جديدة بين دولة واحدة وباقي دول العالم.. وأصبح حتماً على العالم الآن أن ينتفض وأن يعرف

من هو المجرم؟

ومن هو القاضي؟

ومن هو الشرطي ؟

ومن يحاسب من؟